الأزمة السورية تخيم على زيارة البابا إلى لبنان

البابا في لقاء مع الشباب في بكركي
واصل البابا بنديكتوس السادس عشر، بابا الفاتيكان، زيارته للبنان بعد ان لمس حدوث تغيرات كثيرة في المنطقة منذ الزيارة الاخيرة لبابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس الثاني عام 1997.
بعد اغتيال رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان الاسبق، عام 2005 شهدت الساحة السياسية في لبنان اعادة تشكيل، لكنها لم تكن بمثابة تحول جذري في حد ذاته.
لقد ادى مقتل الحريري الى اندلاع مظاهرات شعبية صاحبتها ضغوط دولية حثت السوريين على انهاء الوجود العسكري في لبنان الذي يعود تاريخه الى عام 1976.
ولم يمض عام على اغتيال الحريري حتى عصفت بلبنان حرب امتدت شهرا بين اسرائيل وحزب الله عام 2006 انتهت على اشتداد عضد جماعة حزب الله الشيعية مقارنة بسابق عهدها.
وأصبحت جماعة حزب الله حاليا قوة تقف وراء حكومة احادية الجانب وتجنح الى مساندة نظام سوري يقاتل حاليا من اجل البقاء ضد معارضة ترفض الخضوع والاستسلام.
هذا ما جعل البابا بنديكتوس يشهد وجود انقسام عميق بين المسيحيين في هذا الصدد، حيث باتت الازمة السورية قضية داخل الساحة السياسة اللبنانية.
ففي الوقت الذي يساند فيه الشيعة بقيادة حزب الله النظام السوري، يساند السنة المعارضة، في حين انقسم مسيحيو لبنان بين المعسكرين.
منطقة سياسية فاصلة
قال سمير جعجع، قائد "القوات اللبنانية" التي تعد فصيلا معاديا للسوريين بجذور مليشاتها المسيحية ابان الحرب الاهلية اللبنانية "الاحزاب المسيحية لا تتفق فيما بينها بشأن سوريا، لكن ذلك لا يعني ان بابا (الفاتيكان) سيأتي ويشهد تناحرا بين المسيحيين من اجل سوريا."
لكنه أضاف ان بابا الفاتيكان "سيشهد مجتمعا مزدهرا من جديد على نقيض ما يعتقده الكثيرون في الغرب، لكنه مجتمع مختلف الاحزاب ومتعدد البرامج السياسية، هذا كل ما في الامر."
ويعتقد بولس سليم، مدير مركز الشرق الاوسط التابع لمؤسسة (كارنيجي) في بيروت، ان وجود فصائل مختلفة متحالفة مع القوات المساندة للنظام السوري او المعارضة له، قد يؤدى عن دون قصد الى عدم استهداف المسيحيين في حد ذاتهم مع تصاعد حدة التوترات.
وقال "في واقع الامر ضمن (المسيحيون) خلال هذه الفترة مستوى من الامان نظرا لعدم توصيف اي طائفة اخرى لهم (بأعداء)، فهناك عدد كاف منهم تحالف مع جانب او اخر بغية ابطال تأثير هويتهم المشتركة كهوية سياسية، وذلك سبب رئيسي يفسر ضمانهم الامن والامان الى حد ما في لبنان حاليا."
بيد انه اشار الى ان احتدام التنافس بين جماعات الشيعة والسنة ربما يدفع المسيحيين عفويا الى تشكيل نوع من المناطق السياسية الفاصلة بحكم شغلهم بعض المناصب الرئيسية مثل منصب رئيس الجمهورية وقائد الجيش اللبناني.
وقال سليم "من الناحية الجغرافية يحتل المسيحيون موقعا وسطا بين الشمال الذي يزداد نفوذ السنة المسلحين به وبيروت التي يسيطر حزب الله عليها، ومن ثم فان بزوغ التوترات وتصاعد حدتها بين الشيعة والسنة خلال الازمة السورية لم يسفر عن حدوث اشتباكات صريحة بين السنة والشيعة نظرا لعدم التجاور فيما بينها."
ومع تفاقم الازمة السورية، اعرب الكثيرون عن خشيتهم من انسحاب الصراع على الحدود الى داخل لبنان وما قد يفضيه الى تكرار نفس الانقسام الطائفي الذي ادى الى دمار البلاد خلال الحرب الاهلية التي اندلعت بين عامي 1975 و 1990 وخلفت وراءها جروحا وانقسامات مازالت نابضة.
لكن سمير جعجع يرى ان (احتمال) تقسيم سوريا قد يكون له اثر عكسي على لبنان قائلا :"لنفرض جدلا تقسيم سوريا، انا لا اعتقد انه سيؤثر على لبنان، بل على النقيض، عندما يشهد الناس تقسيم سوريا واثر ذلك وتوابعه، سيتمسك الجميع بوحدة لبنان. انا لست قلقا على الاطلاق."
محاصرة
اجتمع بابا الفاتيكان مع زعماء الكنائس من شتى ارجاء المنطقة خلال زيارته للبنان، كما استمع الى اي حد بلغ الدمار بالطوائف المسيحية العراقية مع اشتداد حدة التعصب بين الطائفتين الشيعية والسنية بعد الاطاحة بنظام حكم صدام حسين عام 2003.
كان للهجمات التي استهدفت الكنائس في بغداد واماكن اخرى على يد متشددين من المسلمين السنة عام 2010 اثرها في سرعة وتيرة الهجرات الجماعية للمسيحين التي تأثرت بدورها ايضا من اعمال العنف العشوائية والضغوط الاجتماعية الى جانب الانهيار الاقتصادي.
في حين وجد مسيحيو سوريا، على الرغم من عدم استهدافهم على نحو خاص، انفسهم محاصرين بين تبادل اطلاق النار الدامي بين نظام الاسد والمعارضة السورية، لاسيما في مدن مثل حمص التي اصبحت بعض احيائها التي يغلب عليها المسيحيون، ساحات حرب، دفعت المسيحيين الى الفرار.
وجاء فيلم "براءة المسلمين"، الفيلم (المسئ للنبي محمد)، وما تبعه من ردود افعال اقليمية غاضبة ليؤجج مشاعر القلق لدى العديد من المسيحيين في وقت بزغ فيه نجم التيارات الحزبية الاسلامية وما تبع ذلك من تغير في الانظمة الحاكمة في المنطقة.
ومن منطلق هذه الخلفية المضطربة، شدد البابا بنديكتوس السادس عشر على الحاجة الى التسامح المتبادل والتعايش، داعيا المسيحيين الى التواصل مع الطوائف الاخرى والتمسك بأرضهم وبذل قصارى الجهود للمساعدة في بناء شرق اوسط جديد.